مفتاح الخبائث في جامع الفقهاء

بقلم . الدكتور ضيف الله مهدي 

اليوم الجمعة الموافق ١٤ صفر من عام ١٤٤٧هـ ، وفي جامع الفقهاء بمحافظة بيش ، خطب فضيلة الشيخ الأستاذ حسن بن يحيى الأعجم في المسلمين خطبة في غاية الروعة والجمال وتحدث عن الكذب وأثره السلبي وعواقبه على الفرد والمجتمع والأسر واستشهد بآيات الذكر الحكيم وقول سيد الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام وأقوال الحكماء .. ومسجد أو جامع الفقهاء  أسسه الشيخ العلامة الفقيه محمد بن عبد الله بن سهل المتوفي في عام ١٢٤٢هـ. ثم جدد بنائه الشيخ عبد الله بن محمد القرعاوي عام ١٣٨٦هـ.، ثم تمت توسعته وتحديثه على نفقة الشيخ محمد بن إبراهيم اليحيا عام ١٤٠٧هـ.. وأول جمعة صليتها في حياتي عام ١٣٩٢هـ ، وكنت طالبا في الصف الثالث الابتدائي وإني لأتذكر وأرى كل التفاصيل حتى الآن .. ورغم كثرة الجوامع في بيش لكن ارتبطت وجدانيا وتاريخيا مع هذا الجامع فلا أصلي الجمعة إلا فيه والأعياد كذلك ، ولكن في أواخر حياة الوالد الله يرحمه صرت أصلي في جامع الفاروق لأنه قريب من بيت الوالد وكنت أساعده . أعود للخطبة والكذب فقد كتبت كثيرا عن الكذب .. ومما كتبت :

لكل شيء مفتاح ومفتاح الخبائث الكذب وقد فطر الإنسان على الصدق ، ولم يكتسبه من البيئة المحيطة به مثل الكذب ، وحقيقة لو تأملنا في حياة الطفل سنجد كل أفعاله وحركاته وسلوكياته وكلامه يتسم بالصدق ولا يكذب حتى تؤثر فيه البيئة المحيطة فيبدأ يكذب إما ليهرب من عقاب سيتلقاه لو هو أعترف وصدق وإما للمديح وإما ليكسب الرضا .

وأنواع الكذب عند الأطفال هي :

١- الكذب الخيالي أو الإيهامي : وهو نوع من أنواع اللعب والتسلية بالنسبة بالنسبة للطفل ، ويكثر في المرحلة بين الرابعة والخامسة من العمر ، ويرجع سببه إلى سعة خيال الطفل .

٢- الكذب الإلتباسي : ويرجع سببه إلى أن الطفل لا يستطيع التمييز بين ما يراه حقيقة واقعية وما يدركه هو في مخيلته ، وكثيرا ما يسمع الطفل قصة خرافية ، ولكنه سرعان ما يتحدث عنها وكأنها حدثت في الواقع . وهذان النوعان من الكذب يسميان بالكذب البريء ، وهما يزولان تلقائيا عندما يكبر الطفل ويصل إلى مستوى يمكنه التمييز بين الحقيقة والخيال . وعلى الأهل ألا يقفا موقفا سلبيا إزائهما ، ولكن يوحها الطفل إلى ما هو مناسب .

٣- الكذب الدفاعي : وهو من أكثر أنواع الكذب شيوعا بين الأطفال ، إذ يلجأ إليه الطفل خوفا من العقوبة التي سوف تقع عليه ، أو يلجأ إليه للتخلص من موقف محرج .

٤-الكذب الانتقامي : ويلجأ إليه الطفل والمراهق أيضا ليتهم غيره باتهامات كاذبة يترتب عليها عقاب الغير . وهذا يحدث بسبب الغيرة من طفل آخر ، أو بسبب كرهه للغير .

٥ـ الكذب الإدعائي : ويلجأ إليه الطفل بدافع إقصاء الشعور بالنقص وإبعاده عنه ، أو من أجل المفاخرة والزهو كذبا . وهذا النوع إما يكون بالقول ، كالذي يدعي أنه ينتمي إلى شخصية مرموقة بالمجتمع ، أو يكون بالفعل ، كمن يدعي المرض وينام في الفراش وهو ليس مريضا.

٦- الكذب المزمن واللاشعوري : والبعض يسميه ( كذب العقدة النفسية ) ، ويرجع سببه إلى دوافع كريهة للنفس وللآخرين ، وتم كبتها في اللاشعور ، كالطفل أو المراهق الذي يكذب على مدرسية دون سبب ظاهر . فقد يكون ذلك أصلا بسبب عقدة الكراهية (اللاشعورية ) للسلطة الوالدية ، مما جعله يعمم هذه الكراهية للأب ، إلى كل السلطة المدرسية ، وذلك كله في مستوى لا شعوري .

٧- الكذب بالعدوى والتقليد : ويقوم به الطفل تقليدا للمحيطين به الذين يتخذون من الكذب أسلوبا لهم في حياتهم .

والكذب مكتسب أما الصدق فهو فطري وصدق الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الذي قال : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تلد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ؟!) لم يقل عليه الصلاة والسلام أو يمسلمانه لأن الدين الإسلامي دين الفطرة ولأن الدين الإسلامي يدعو إلى الصدق ، فالصدق فطري في الإنسان وقد قال الله تعالى يحث المؤمنين : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة 119

عَنْ ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال إن الصدق يهدي إِلَى البر وإن البر يهدي إِلَى الجنة؛ وإنالرجل ليصدق حتى يكتب عند اللَّه صديقا، وإن الكذب يهدي إِلَى الفجور وإن الفجور يهدي إِلَى النار؛ وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عنداللَّه كذابا ) مُتَّفّقٌ عَلَيْه.

من منا يرغب أن يكتب عند ربه كذابا ويكون معروف في الملأ الأعلى بأنه من الكذابين . والحقيقة أن الناس أصبحوا لا يتورعون من الكذب رجالا ونساء شبابا وشيوخا ولا يخجلون من الكذب . ولقد نفى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عليه أفضل الصلاة والسلام أن تكون خصلة الكذب ملتصقة بالمؤمن وذلك عندما سئل : هل يكون المؤمن بخيلا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ( نعم ) فسئل : هل يكون المؤمن جبانا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ( نعم ) فسئل : هل يكون المؤمن كذابا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ( لا ) . إذن الكذب ليس من خصال أو صفات المؤمن .. وفي الوقت الحاضر أصبح الكثير لا يتورع عن الكذب ، ووجدته ينتشر بشكل رهيب في مواقع التواصل وخاصة منصة X تويتر قديما وبين الرياضيين وكل الفئات ولا ينجو من ذلك إلا من يخاف الله ويتقيه ويراقبه .