د. ضيف الله مهدي
اليوم الجمعة الموافق ٦ ربيع الأول من عام ١٤٤٧هـ. خطب فضيلة الشيخ الأستاذ حسن بن يحيى الأعجم ، خطيب جامع الفقهاء في محافظة بيش عن المطر ونزوله هذه الأيام والفرح والسرور والسعادة التي عمت الكثير من القلوب والنفوس البشرية ، ووجب شكر الله وحمده على هذه النعمة وبين أن المطر خير ونعمة من الله وفضل على كثير من عباده في جميع ونواحي الأرض .. كما بين أن هناك أنواع من الأمطار هي عذاب وغرق وتدمير مستدلا بآيات الذكر الحكيم وقول سيد الأنبياء والمرسلين عليه وعليهم الصلاة والسلام . ولي تعليق عن جزئية السعادة والفرح الذي يصاحب نزول المطر ، والمطر حياة للأرض والإنسان والحيوان .. وسأعلق بالآتي : " السعادة ليست في وفرة المال ، ولا سطوة الجاه ، ولا كثرة الولد ، ولا نيل المنفعة ، ولا في العلو المادي . السعادة شيء معنوي لا يرى بالعين ، ولا يقاس بالكم ، ولا تحتويه الخزائن ، ولا يشترى بالدينار ، أو بالجنيه أو الدولار . السعادة شيء يشعر به الإنسان بين جوانحه صفاء نفس ، وطمأنينة قلب ، وانشراح صدر ، وراحة ضمير . السعادة شيء ينبع من داخل الإنسان ولا يستورد من خارجه .
المطر يذهب الحزن ، ويشرح النفس والخاطر والبال ..
لا تحزن إذا أرهقتك هموم الحياة
ومسّك منها عظيم الضرر
وذقت الأمرين حتى بكيت
وضجّ فؤادك حتى انفجر
وسدّت بوجهك كل الدروب
وأوشكت تسقط بين الحفر
فيمم إلى الله في لهفة
وبثّ الشكاة لربّ البشر
ما يزال فيه ناس طيبين ، وباقي حواء وآدم ينجبون الطيبين الأتقياء ، وينجبون المحسنين والمصلحين ، وينجبون حفظة القرآن الكريم ، وينجبون الذين يمدون أيديهم لمساعدة الآخرين ، وينجبون الذين يرسمون البسمة على شفاه الحزانى ، ويحيون الأمل في نفوس المكروبين ، الخير باقي والشر باقي والغلبة في النهاية للخير وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ..
ابتسم وازرع الأمل في قلبك ونفسك ، وما يهمك الناس ، فمن راقب الناس مات هما ..
سئل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه عن أشد خلق الله سبحانه وتعالى فقال: الحجر ، والحجر يكسره الحديد ، والحديد تسيخه النار ، والنار يطفيها الماء ، والماء يحمله الهواء ، والإنسان يتقي الهواء ، والسكر يغلب الإنسان ، والنوم يغلب السكر ، والـهم يغلب النوم . فالهم حالة نفسية وجدانية تقلق الإنسان فتأرقه فتذهب عنه النوم ، ومع ازدياد الـهم تسوء حالة الإنسان النفسية والصحية .. وكل إنسان يحمل قدرا من الـهم ، ولكن يختلف هـم كل إنسان عن إنسان آخر . فالعالم له هـمومه ، والتاجر له همومه ، والسياسي له همومه ، والطالب له همومه ، وربة البيت لـها همومها ، وكل شخص له همومه الخاصة .. فبعض الناس يتغلب على همومه والبعض الآخر تتسلط عليه الهموم حتى تشيب رأسه . وازاء هذه الهموم يجب أن يسلك الإنسان ما يخفف عنه الهموم ويبعدها ، والاّ سوف يصبح معرضا للأمراض النفسجسمية ، والجسمية ، والنفسية وتجد بعض الناس يشعرون بالتعب ويشكون الألم والمرض ولا يعرفون سببا لذلك ، وسبب ذلك بعض الهموم التي يعيشها ولم يعرف كيفية تخفيفها أو لم يجد من يخفف عنه تلك الهموم ، ولو أن كل واحد فكر وقدر وتصرف التصرف السليم وناقش همومه بينه وبين نفسه لخفت عنه تلك الهموم بإذن الله. ويكمن علاج الهم في الإيمان بالله سبحانه وتعالى .. فمن أرجع أمره إلى الله واتكل عليه ورضي بالمقسوم والنصيب لكان خيرا له . فمن كان همه في الرزق واكتسابه فان الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى، وما على الإنسان إلاّ أن يتسبب ويسعى في طلب الرزق ، والله سبحانه وتعالى يقول : { وفي السماء رزقكم وما توعدون () فورب السماء والأرض انه لحق مثل مآ أنكم تنطقون } ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ورزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ).
وإذا أزداد الهم والغم والكرب والحزن على الإنسان فعليه اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى ، ويا صاحب الهـمّ : لا تَغْفَل عن القرآن ولا تُغفِل مصدر الفَرَج وأصل السعادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أصاب أحداً قط هَمٌّ ولا حُزن ، فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمَتِك ، ناصيتي بِيَدِك ، ماضٍ فيّ حُكمك ، عَدْلٌ فيّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ؛ أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ؛ إلا أذهب الله هَمّه وحزنه وأبدله مكانه فرجا ) . فقيل : يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال : ( بلى ) . ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها . رواه الإمام أحمد . وعندما وقع النبي الكريم يونس بن متىّ عليه السلام في البحر وابتلعه الحوت كان ينادي الله سبحانه وتعالى في الظلمات { لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فأنجاه الله من غمه وهمه وحزنه .
وأختم بالآتي : عن أبي العباس عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قال : كنت خلفَ النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال : ( يا غلامُ إني أُعَلِّمُك كلمات : احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف) . وفي رواية: ( احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك،واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً ).