الوهم النفسي: عندما يضلل العقل الحواس

تاريخ النشر: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
 

الوهم النفسي (Psychological Illusion) ظاهرة عقلية إدراكية شائعة ومثيرة للاهتمام، حيث يفسر فيها العقل البيانات الحسية الواردة بطريقة لا تتطابق مع الواقع الموضوعي. على عكس الهلوسة التي تتضمن إدراك شيء غير موجود في الأصل، فإن الوهم يبدأ بمُحفز حسي حقيقي (صوت، صورة، لمسة)، لكن طريقة معالجة وتفسير هذا المُحفز داخل الدماغ هي التي تؤدي إلى إدراك خاطئ أو مشوّه. إنها بمثابة "خطأ" في الترجمة بين ما تلتقطه الحواس وما يراه العقل.

ما هو الوهم النفسي؟

يمكن تعريف الوهم النفسي بأنه تشويه أو تحريف للإدراك الحسي، ينتج عن تفاعل العقل مع المعلومات الحسية بشكل غير دقيق. تتأثر هذه الظاهرة بعوامل متعددة، بما في ذلك التوقعات، والحالة العاطفية، والبيئة المحيطة، والخلفية الثقافية، وحتى الانتباه.

💡 أنواع رئيسية للوهم

تنقسم الأوهام النفسية إلى عدة فئات، أشهرها:

  1. الأوهام البصرية (Visual Illusions):

    • هي الأكثر شيوعًا وتأثيرًا. تحدث عندما يُفسر الدماغ الأشكال والأحجام والألوان بطريقة خاطئة.

    • أمثلة: وهم مولر-لاير (Müller-Lyer Illusion) حيث تبدو الخطوط المتساوية الطول مختلفة بسبب الأسهم على أطرافها، أو الأوهام الهندسية التي تجعل الخطوط المستقيمة تبدو منحنية.

  2. أوهام السمع (Auditory Illusions):

    • تحدث عندما يُسمع الصوت بطريقة تختلف عن طبيعته الفعلية.

    • مثال: نغمة شيبرد (Shepard Tone) التي تبدو وكأنها تتصاعد أو تتنازل إلى ما لا نهاية.

  3. أوهام اللمس (Tactile Illusions):

    • تتعلق بتحريف الإحساس باللمس أو درجة الحرارة.

    • مثال: وهم الأطراف الوهمية (Phantom Limb Illusion) الذي يشعر فيه الشخص ببقاء طرف مبتور وكأنه لا يزال موجودًا.

الأسباب والعوامل المؤثرة

لا تحدث الأوهام النفسية من فراغ، بل هي نتاج آليات عقلية معقدة:

  • التوقعات (Expectations): غالبًا ما يُكمل العقل المعلومات الناقصة بناءً على ما يتوقع رؤيته أو سماعه، مما يؤدي إلى الوهم.

  • الخلفية المعرفية (Cognitive Background): التجارب السابقة والمعرفة المخزنة في الذاكرة تؤثر في كيفية تفسيرنا للمنبهات الجديدة.

  • الانتباه الانتقائي (Selective Attention): التركيز على جانب واحد من المنبهات الحسية وإهمال الجوانب الأخرى قد يولد إدراكًا مشوهًا.

  • الآليات الفسيولوجية: في بعض الأوهام البصرية، يكون السبب متعلقًا بكيفية عمل العين والدماغ في معالجة الضوء والتباين.

🧐 الأهمية النفسية والفلسفية

دراسة الأوهام النفسية لها أهمية بالغة لعدة أسباب:

  1. فهم وظائف الدماغ: توفر الأوهام نافذة للباحثين لدراسة كيفية عمل أنظمة الإدراك في الدماغ، وكيفية بناء العقل "للواقع" الذي نعيشه.

  2. حدود الثقة بالحواس: تُذكرنا الأوهام بأن حواسنا ليست دائمًا موثوقة تمامًا، وأن إدراكنا للعالم هو في الحقيقة بناء داخلي يقوم به العقل.

  3. تطبيقات في مجالات أخرى: تُستخدم مبادئ الأوهام في الفن (خاصة في الخداع البصري)، وفي مجال الهندسة والتصميم (لتغيير الإحساس بالمساحة).

الوهم النفسي ليس ضعفًا أو خللًا بالضرورة، بل هو دليل على النشاط التفسيري الديناميكي للعقل البشري. إنه يُظهر كيف أن الدماغ يسعى دائمًا إلى تنظيم وتفسير البيانات الحسية بسرعة، حتى لو كان ذلك يعني أحيانًا الوقوع في خطأ إدراكي. تظل الأوهام ظاهرة ساحرة تؤكد أن الواقع الذي نختبره هو في جوهره عملية بناء نشطة وليست مجرد استقبال سلبي.


بقلم : فيصل بن احمد البقمي

شارك المقال على مواقع التواصل

قد تُعجبك هذه المشاركات

6791826968527391403

البحث